الشاعرة والمترجمة الإيرانية مريم حيدري

أعلنت عشقها للعربية..
الشاعرة والمترجمة الإيرانية مريم حيدري للوكالة: أمير الشعراء وشاعر المليون يحظيان بمتابعة وصيت كبير في الأهواز.. وأنا متمردة ومغرمة بالصوفية
الاثنين, 2011.05.30 (GMT+3)

وكالة أنباء الشعر/ حاورها: عمر عناز

فراشةٌ من ضوءٍ، حَمَلها نسيمُ الأدبِ على راحتيه في رحلةٍ مُكتَنِزةٍ بين ثقافتين فألقتْ كُحلَ جناحيها على زهر الكلام، لتعبقَ الأوراقُ شِعراً ونثراً وسحراً من بيانٍ، في ملامحها تقرأ عروبةً من قصيدٍ بعثرَته الشمسُ فتشكَّلَ ابتسامةً على مُحيَّاها، تحارُ حين تحدِّثُها من كتبَ الآخرَ هي أم النص فكلاهما يَشِفُّ عن خمرةٍ من معنى آسرٍ إنها ابنة الأهواز الشاعرة والمترجمة مريم حيدري التي التقتها الوكالة وكان هذا الحوار..

النص يقتل بالترجمة السيئة..

-يقال إن الترجمة خيانة للنص .. ماتعليقك على ذلك وأنت اشتغلت على ترجمة الكثير من النصوص الإبداعية؟

لا اعتقد أن الترجمة هي خيانة بالمعنى الحقيقي وإن تكن خیانة فلتكن. فماذا نفعل من أجل أن نقرأ الآخر ومن أجل أن نتعرف على الأدب العالمي وحتى على آداب جيراننا مثلاً.

في كثير من الأحيان عندما أترجم نصاً شعرياً أو غير ذلك، لكم أتمنى لو كان القارئ يستطيع أن يقرأ ذلك النص بلغته الأصلية ولكن ماذا نفعل؟ على المترجم فقط أن يبذل كل جهده ليصب روح النص الأصلي في ترجمته لتكون نسخة أخرى من النص الأصلي في اللغة المترجمة. أنا اشعر بحزن شديد عندما أرى ترجمة سيئة خصوصاً لنص جميل وذي قيمة.. النص يقتل بالترجمة السيئة فلنصنه.

مُغرَمة بالصوفية..

– بين العربية والفارسية تتوزع مريم حيدري شاعرةً .. أيُّ اللغتين تجدين أنها تتسع لما تودين قوله شعرا؟

تعرف أن لغتي الأم هي اللغة العربية لكن علاقتي مع الفارسية جيدة جدا. أنا أكتب بالعربية والفارسية.. في بعض الأحيان أشعر انه علي أن اكتب بالفارسية قصيدة ما مثلاً وأحيانا أجد أن العربية فتحت أحضانها لما أريد أن أكتبه. القصيدة تأتي اليَّ بلغتها.. هي تختار لغتها وتعرِّج نحوي.. بالفارسية أم العربية.. أنا كتبت أول ما كتبت بالفارسية.. ثم بدأت بالكتابة بالعربية.. الفارسية قريبة جدا الي.. أفكر في كثير من الأحيان و أحدِّثُ نفسي بالفارسية.. هي أعطتني تجارب لم يمكن من السهل أن أجدها في لغة أخرى.. أنا كنت منذ صباي مغرمة بالصوفية.. وقرأتها بالفارسية.. قرأت جلال الدين الرومي و حافظ و شمس التبريزي وسعدي والعطار كلهم بالفارسية وعشقتهم.. لا استطيع أن أتصور أن يكون جلال الدين الرومي ليكتب كل تلك القصائد الجنونية المذهلة في لغة أخرى.. ربما أقول هذا لأني اعتدت عليه بالفارسية.. لا اعرف.. لكني الآن اشعر أني لن استطيع يوما أن أتخلى عن الفارسية واتركها.

أعشقُ العربية..

أما العربية فهي عظيمة جدا.. لا اقترب اليها بتلك البساطة التي اقترب بها الى الفارسية.. الفارسية بسيطة ومتواضعة أما العربية فهي محتشمة وعليك ان تقترب اليها بشيء من الرهبة والخشوع.. العربية منحتني الاتزان والتأني.. كأن الفارسية تكاد تكون لغة مجنونة والعربية لغة متزنة ومحكمة. التفاصيل اللغوية الجميلة التي تنحصر العربية بامتلاكها، النغمات التي تتشكّل عفويا في العبارات البسيطة وكل الاتساع اللغوي والمفردات الهائلة التي يمكن أن يضيع الشخص بينها تجعلني أعشق العربية.. أحيانا أتمنى لو أني بدأت تعليمي وكتابتي بالعربية وأتمنى لو أنها كانت تسكنني أكثر مما هي عليه.. في العربية أجد نفسي فتاة عربية تريد أن تنطلق وتكتب وترى وتعشق ما هو غير ممكن ومحظور وفي الفارسية أنا فتاة فارسية لها هموم تختلف عن الأولى.. تكتب عن حب آخر وعن قيود أخرى وتنبهر بأشياء أخرى… وأحيانا يختلط كل شيء بكل شيء.. هناك ازدواجية ليست سيئة تأتي من وجود ثقافتين معا في داخلي.. وانا أحب هاتين الثقافتين كلتيهما.

أنا متمردة..

-صرّحت ذات مرة قائلة ” أحاول أن أعكس التمرد الذي في داخلي من خلال قصائدي” ماتبرير ذلك برأيك؟

أنا متمردة مع انه لا يكون ذلك واضحا في كثير من الأحيان في ملامحي. التمرد الذي تحدّثت عنه في ما أشرت أنت اليه يعني التمرّد على التقاليد.. كنت ولازلت اعتبر لاسيما في مجتمعنا الاهوازي فتاة متمردة.. في ما افعل وفي علاقاتي وربما حتى في مظهري.. اشعر أنني لا استطيع أن أتقبّل أيَّ قيدٍ مبني على الجهل وناتج من قصر النظر والتشدد بكل أنواعه دينيا كان أم قبليا أم ي شيء آخر..

الجمهور الشعري في الأهواز يريد شعرا موزونا..

– ما تقييمك للمشهد الشعري في الأهواز وكيف تنظرين لعلاقته مع القاريء في الدول العربية؟

تعرف ان هناك ضربين من الشعر يكتب في الأهواز الشعر الشعبي أو العامي والشعر الفصيح.. الشعر الشعبي الاهوازي يشبه الشعر الشعبي في العراق وأنا لا خبرة لي فيه.. فلا اسمح لنفسي بالتحدث عنه.. فقط اذكر انه شعر جميل وكنت فيما سبق أتمتع بقراءته غير اني ابتعدت عن قراءته لأسباب ما.. أما غالبية القصائد الفصحى التي تكتب في الأهواز فهي قصائد تفعيلة.. ما زال الجمهور الشعري في الأهواز قرّاء وكتّابا يريد من الشعر أن يكون موزونا.. أنا أيضا كنت أمارس شعر التفعيلة في البداية وحتى السنين الأخيرة.. هناك شعراء جيدون في هذا المجال وشباب يتطلع الى مستقبل شعري ناجح.. تكتب ايضا قصائد كلاسيكية بشكل جاد وهناك محاولات وتجارب جميلة من قبل شباب آخرين في كتابة قصيدة النثر.. عموما اعتقد أن المشهد الشعري الاهوازي يكاد يكون ذا صوت بين المشاهد الشعرية الأخرى في البلدان العربية.. فهو لا ينقصه شيء من مواهب ومتابعات وتطلعات جادة لا سيما بين الشباب.

اعرفُ متابعات الشعراء..

– في ظل تقنية الانترنيت والفضائيات ..هل استطاع الشاعر أو الأديب الأهوازي أن يكسر طوق المحلية ليوصل صوته؟

الانترنيت والتلفاز يؤثران على كل حياتنا وحتى على تفاصيلها.. عندما أتحدث عن نفسي أرى أن الانترنيت ساعدني في إيصال صوتي الشعري نوعا ما.. تعرف ذلك يعود الى جهدي او الى الكسل عندي.. لكنه وسيلة جيدة للتواصل وربما هو أفضل وأسرع وسيلة لتوصل شاعر شاب الى هدفه الشعري.. شاعر يقطن مثلا في بلدة بعيدة ويروم التعريف بنفسه وإيصال شعره الى شعراء آخرين يراهم إخوته في اللغة وفي الشعر والثقافة وكل شيء. اما الفضائيات والتلفاز فأنا بعيدة عنها تقريبا ولا أعيش الآن في الأهواز لكني اعرف متابعات الشعراء وهواة الشعر شبابا وشيوخا في الأهواز للبرامج الأدبية والثقافية والمسابقات الشعرية والأدبية التي تقام في البلدان العربية ويتم بثها عبر القنوات الفضائية…

دائما هناك من يوصيني بمتابعة هذه المسابقات.. لكني.. تعرف؟!… لا املك حتى جهاز تلفزيون في بيتي.. ليس اعتراضا على شيء بل بسبب قلة الوقت فقط أعدك أني سأتابعها ذات يوم.

لاحاجز أمام إصدار الكتب العربية..

-الكتاب الثقافي العربي في الأهواز … ما مدى انتشاره والاعتناء به وهل ثمة معارض تقام له .. وما قراءتكم للحاجة الى ذلك ؟

لا.. ليس هناك مجال كثير لإصدار الكتب في الأهواز.. صدرت كتب شعرية عربية لشعراء اهوازيين في إيران غالبا ما كانت من قبل دار نشر “شادكان”، لكنها قليلة.. لا اعتقد أن هناك حاجز أساسي أمام إصدار الكتب العربية ولكن اعتقد أن الأمر يعود الى اهتمام الشعراء الاهوازيين بشعرهم وبإصدارهم دواوين شعرية… غير ذلك ليست هناك دور نشر كثيرة في البلاد تقبل بإصدار كتب عربية فالناشر يحسب انه لا قارئ لمثل تلك الكتب.. تصدر سنويا كثيرا من الكتب الشعرية الدينية في الأهواز وفي مدن أخرى مثل قُم.. لكني أكاد لا احسبها ضمن الدواوين الشعرية والمشروع الشعري والأدبي البحت..

لهفة كبيرة لاستماع الشعر بين الاهوازيين..

-تضم الأهواز شعراء وأدباء لهم خصوصية إبداعية .. هل ثمة أمسيات أو مهرجانات شعرية توفر لهم المنبر الذي يليق بإبداعاتهم ويستوعب إمكاناتهم وطموحاتهم الثقافية؟

كان في ما مضى وفي فترة مرت عليها سنوات أمسيات شعرية تقام ومهرجانات تخص الشعر ونقده.. كانت هناك أمسيات شعرية ومهرجانات تقام بين مناسبة وأخرى تحتفي بالشعراء والشعر وكان يؤمها الكثير من الشعراء وعشاق الشعر العربي.. تعرف ان هناك لهفة كبيرة لاستماع الشعر بين الاهوازيين.. كانت هناك أمسيات شعرية جميلة تقام في الجامعات أيضا.. أما في الفترة الحالية فقلت تلك الأمسيات والمهرجانات الى درجة اللاشيء.. ربما تسمع كل سنة بأمسية تقام لمناسبة دينية في جامعة ما أو في قاعة عامة لكنها ليست بذلك الصخب والحفاوة والجدية التي كانت تعم على تلك الأمسيات السابقة.

متمردة!!

-الشاعرة الاهوازية .. كيف تمارس فاعلياتها الثقافية في إطار التابو الديني المحيط وما رؤيتك لهذا الأمر من حيث انعكاسه على الأدب ؟

طالما تمنيت أن يزداد عدد الشاعرات بين ذلك الجمع الغفير للشعراء في الأهواز.. لكنهن وللأسف قليلات جدا.. طبعا الشاعرة الاهوازية عليها ان تكافح في مجتمع قبلي وديني من اجل الحضور ومن اجل إيصال صوتها الشعري.. طبعا سيرحب بها كثيرا إن كتبت قصيدة عن المناسبات الدينية أو عن الحجاب مثلا.. لكنها ستعيش تجربة صعبة وتحديا إن كتبت مثلا غزلا.. اذكر أني منعت ذات يوم من قراءة قصيدة في مهرجان بمناسبة يوم المرأة قبل عدة سنوات. وهل تعرف ماذا كان السبب؟ قالوا إن هذه القصيدة إباحية.. وطلبوا مني أن استبدلها بقصيدة أخرى اقل تغزلا وتحديا.. ربما مثل هذه الأحداث أذكت نار التحدي فيَّ وجعل البعض يصفوني بمتمردة..

شاعر المليون حديث متابعي الشعر في الأهواز..

-شاعر المليون مسابقة سنوية تُعنى بالشعر الشعبي ( النبطي ) تقيمها هيئة ابو ظبي للثقافة والتراث .. كيف يتابع الشعراء الشعبيون لديكم هذه المسابقة وما انطباعكم عنها ؟

هذه المسابقة يا صديقي لها صيت كبير ومتابعة واسعة من قبل الاهوازيين، شعراء كانوا أم هواة شعر.. عندما تبث يتحدث كل من يتابع الشعر الشعبي في الأهواز عنها.. ويبدو أنها نجحت في استقطاب المشاهدين العرب من جميع البلدان وهناك من يتمنى ويبرمج ليشارك ذات يوم فيها.

ترحيب أهوازي بأمير الشعراء..

– مسابقة أمير الشعراء من قناة ابو ظبي تقام سنويا برعاية هيئة ابو ظبي للثقافة والتراث وهي مسابقة تعنى بالشعر الفصيح .. كيف تتابعون المسابقة وما تقييمكم لها .. وهل لمست رغبة لدى شعراء الأهواز للمشاركة بالمسابقة ؟

نعم.. هذه هي الأخرى التي رحب بها المشاهد الاهوازي كثيرا.. وسمعت في ما سبق أن شاعرا أو شعراء اهوازيين شاركوا فيها.. اذكر ان في تلك الفترة كان الكل يتحدث عن هذا الشاعر الاهوازي الذي شارك في المسابقة وبث صوته يقرا قصيدته.. وان تسعفني الذاكرة كان الشاعر من إحدى القرى الاهوازية.. ترى ان الفضائيات العربية تكاد تعيش في جميع البيوت هناك ومتابعة الشعر أمر يشترك فيه غالبية الاهوازيين.

أحاول نشر ديواني بالفارسية..

-اخبرينا عن مشاريعك الأدبية التي تبشرين بها؟

هناك ترجمات كثيرة من العربية للفارسية ومن الفارسية للعربية.. كما أحاول وآمل أن يتسنى لي الوقت لجمع قصائدي العربية لنشرها ضمن ديوان كما سيصدر لي ديواني بالفارسية أو الذي يضم قصائد بالفارسية كتبتها خلال الأعوام الأخيرة.

صدرت لي ترجمة ديوان “اثر الفراشة” لمحمود درويش قبل أشهر في إيران والذي كان كتابا ناجحا الحمد لله.. كما صدر لي في العام الماضي كتاب “الرحالة والعالم” يضم مقالات مترجمة عن الرحلات الشرقية والعالمية.. والذي صدر في أبو ظبي من قبل دار السويدي للنشر وضمن فعاليات مؤتمر أدب الرحلة حيث أقيم في الدوحة.. هناك ترجمة لمختارات للشاعر الإيراني الشهير “احمد رضا احمدي” ترجمتها الى العربية وستصدر قريبا في الجزائر وترجمة مختارات قصصية للكاتب الإيراني “مصطفى مستور” الى العربية.. ترجمة “ساتان ابيض” للشاعرة عناية جابر الى الفارسية، ستصدر قريبا في إيران.. ترجمة مختارات للشاعر “نوري الجراح” الى الفارسية أيضا ستصدر هذا العام.. ترجمة مختارات للشاعر “وليد علاء الدين” وترجمات أخرى لا أطيل عليك بذكرها.. كما ان هناك دراسة أو قراءة لكتاب “الكتاب” لأدونيس بالفارسية.. هي قيد الطبع أيضا.. ومشاريع أخرى اطمح الى إكمالها حتى نهاية هذا العام.. تعرف هناك مثل يقول “كثير النوايا بايت بلاش”!!.

كل شيء في مكانه..

-المرأة بوصفها دالة للإلهام الشعري.. برأيك هل استطاع الناّص أن يحاكي المرأة خارج فكرة الجسد أم مازالت هيمنة السطحي طاغية ؟

هناك من حاول ويحاول أن يخرج من هيمنة الجسد البحتة عندما يحاكي المرأة شعرا أو أدبا بشكل عام.. وهناك الكثيرون ممن ظلوا يمارسون محاكاتها داخل إطار الجسد فقط.. اعتقد أن المحاولات نجحت بعض الشيء.. قليلا.. من جهة أخرى اعتقد أن الإنسان رجلا أو امرأة.. يجب أن يخاطب بالعقل وبالجسد كليهما.. لا اعتقد انه هناك مشكلة كبيرة في مخاطبة المرأة أو الرجل جسدا في بعض الأحيان.. الإنسان يميل أحيانا الى شيء ما وفي حين آخر يميل الى ما لا علاقة به.. هذه طبيعة الإنسان.. يجب أن يكون كل شيء في مكانه.. ولا يطغى الانتباه الى الجسد على الروح والعقل بشكل مبالغ فيه.. أنا أيضا بدوري أحاول أن لا يطغى مثلا اهتمامي بمظهر الرجل وجسده على الانتباه الى روحه وفكره.. الأمر سواسية برأيي.. ولكن موضوع هيمنة الجسد في نظرة الرجل الى المرأة هو قائم ومطروح أكثر من مقابله بكثير.. لأن الرجل مازال مسيطرا حتى في طرح القضايا التي ترتبط بالمرأة.. وهو الذي مازال يمسك الأدب والسياسة والثقافة.

ليس ثمة مخطط..

-هل ثمة مخطط تعمدين اليه قبل الشروع بكتابة القصيدة ؟ أم انك تتركين لها ان تقرر شكلها ومداها؟

أنا لا اعتقد بالإيحاء البحت في كتابة القصيدة.. القصيدة تأتي ببدايتها أو بمقطع من نفسها.. لكني اعتقد بالوعي في كتابة الشعر الى جانب الإيحاء.. الوعي في كتابة النص لا يقل أهمية من الإيحاء ان لا يزداد أهمية بالنسبة له.. ليس ثمة مخطط بالمعنى الحقيقي… هناك ربما إيحاء في البداية لكن الشعر أيضا كأي مشروع أدبي آخر يحتاج الى صياغة وإعادة صياغة وتغيير وتبديل وتفكر الى جانب الخيال والصور التي لا يستغنى عنها الشعر.

لا يلعب الوزن دورا في تقييمي للنص..

-بعد مسيرة من كتابة ماتزال قصيدة النثر محور صراع أجناسي ؟ هل ترين انها أثبتت حضورها أم ماتزال تسعى لاكتساب هويتها؟

اعتقد ان قصيدة النثر توصلت الآن الى درجة من القبول بل الإيمان لا يمكن الشك فيه. أنا بنفسي أحبها جدا وأمارسها ولم يكن لي في يوم من الأيام عداء تجاهها.. هي فضاء واسع يمكن للشاعر أن يسير فيه بل يطير بطلاقة ويجلب الى فضاء شعره ما كان عاجزا عن جلبه في القصيدة العمودية أو التفعيلة حيث كان يقيده الوزن وتحصره القوافي.. ففي قصيدة النثر يمكن للشاعر أن يقترب الى الشعر الحقيقي أكثر من القصيدة الموزونة.. برأيي يجب أن تكون القصيدة شعرا حقيقيا ولا يهم كثيرا أن تكون موزونة أو منثورة.. أنا استمتع باستماع وقراءة شعر يكون اقرب الى مثل الشعر في ذهني ولا يلعب الوزن دورا في تقييمي لنص شعري ما..

أحب النصوص النسائية ..

– يتداول البعض مسمى – النص الأنثوي – دون إستناد على ملامح نصيّة بعينها ، برأيك هل هي محاول قصدية للتهميش أم واقع يفرض نفسه ؟

ليس هذا في محل اهتمامي.. فلم أكن من دعاة الفيمينية في حين كنت أحاول أن أتحدى أيَّ محاولة لتهميش المرأة في مجتمعي.. كان الأمر شخصيا أكثر مما يكون كفاحا عاما.. بالنسبة للنص الأنثوي… لا اعتقد انه في مجال تخصصي التحدثُ عنه.. هناك من حاولت أن تخرج من إطار النص المألوف واصفة إياه نصا فحوليا وكتبت ما سمته نصا أنثويا… أنا اقبل كثيرا ما يقال حول النص الذكوري المألوف والسائد.. ولكن شخصيا لم أمارس شيئا ضد ذلك ولم يكن محط اهتمامي كثيرا.. سوى قراءات ونصوص نقدية قرأتها هنا وهناك.. لا اعتقد أن كتابة نص أنثوي ستجدي كثيرا فقضية المرأة والرجل لاسيما في مجتمعاتنا مازالت قضية ابسط من ذلك.. ولقد ذكرت في ما سبق أن النص يجب أن ينتمي الى كاتبه كإنسان ولا يهم أن يكون الكاتب رجلا أم امرأة.. مع أني أحب النصوص النسائية الشعرية مثلا.. ولكن ذلك لا يعني انتماء أو اتجاها أساسيا.. هو ربما شعور بالقرب فقط الى الشاعرات والكاتبات.. لاغير.

تحب أن أوافقك!!

-منذ أعوام ينشغل الوسط الثقافي بدعوى – الحداثة – في مواجهة التقليد ( الكلاسيك ) وهنا أود أن أسأل عن ماهية هذا الحداثة برأيك ثم ألا توافقينني بأنها بررت لاختلاق ثقافات هشّة ونصوص مريضة دون تغاض عن وجود بعض الملامح الايجابية؟

يبدو انك تحب أن أوافقك!.. لكني أحب الحداثة المعقولة.. هناك ايجابيات في الكلاسيكية، طبعا.. ولكن كل شيء يجب أن يتغير ويتحول ويتطور.. أنا لا أحب التطرف لا في إطار الحداثة ولا في الكلاسيكية والتقليد.. أحبه في مجالات أخرى.. نعم هناك ثقافات واطر تأسست أو اختلقت باسم الحداثة، أنا أيضا لا أوافقها ولا أحبها.. لكن هذا لا يعني ولا يبرر تجنب قطار الحداثة والتجدد والتطور الذي يجري في العالم ويزداد يوما بعد يوم.. فنحن أيضا نعيش في هذا العالم.. أنا شخصيا أحب القديم وما يتعلق بالذكريات وجماليات الماضي ولكن أرى نفسي داخلة ضمن إطار الحداثة شئت أم أبيت.. كما هو الحال لدى كل فرد يعيش في هذا العالم..

الحداثة هي التطور والتحول.. وبالنسبة لي هي أن تأتي كل مرة بجديد.. تعرف انه حتى المتصوفة يبحثون عن الجديد.. دائما يتجلى الحبيب بشكل مختلف عن سابقه وجديد.. الحب لديهم دائما يتحول ويكون جديدا كل مرة.. هناك قصيدة جميلة جدا لجلال الدين الرومي بهذا المضمون وينتهي كل بيت منها بمفردة “الجديد”.. يا ليتك تعرف الفارسية لكنت ذكرتها هنا.. وحتى يقول الرومي إن هدية الشاعر للآخرين يجب أن تكون شعرا حديثا.. هذا جميل جدا.. اليس كذلك؟

قصيدة..

-نسعد ان تخصنا مريم حيدري بقصيدة جديدة نقدمها لجمهور الشعر فماذا تختارين ؟

يسعدني أنا.. هناك قصيدة ليست بطويلة أتمنى ان ترضي ذوقكم الرفيع:

تخرج لیلاً من مغارة کنت خبأتها في جوفي

تفزع القطط التي تموء في أذني لیل نهار

أغمض عینيّ في شهوة جاشت قبل وقتها

ویبتدأ یومٌ آخر

في الصبح

تخطر القصیدة التي أنتظر

تقول إنك تبقی تحدق بي حتی تمام الساعة الرابعة مساء

مساءً

تمرّ المواکب من شارعنا

أنظر نحو المعزّین

بینهم لا تلوّح لي بملابس سوداء

جالسٌ بین شقوق رأسي

ترمّم شیئاً من المخیلة.

-ما الرسالة التي تود مريم حيدري أن توصلها الى جمهور الشعر العربي عبر وكالة انباء الشعر؟

لا شيء الا أني أتمنى لهم جميعهم ولك أن تمتلئ أيامهم دائما بالجديد.. هذا بعد ما تحدثنا عنه في الحداثة! ولكن دون مزاح وبكل جدية أتمنى أن يأتي كل يوم لهم بجديد جميل.

أضف تعليق